الاثنين، 12 سبتمبر 2011

علاقة سعر صرف الريال بالدولار «المشكلة والحل»


الذين يقولون بأن رفع (الذي هو في حقيقته رفع تصحيح وليس رفع زيادة) سعر صرف الريال بالنسبة للدولار غير مجد لاقتصاد المملكة هم تماما كأنهم يقولون ان الخفض القسري المستمر لسعر صرف الريال بالنسبة لعملات العالم يفيد (او على الأقل لا يضر) اقتصاد المملكة. وهذا الرأي اقل ما يمكن ان يوصف به هو انه رأي قائم على مفهوم خاطىء لتشخيص أسباب نشوء المشكلة وبالتالي لا يفرّق بين زيادة سعر الصرف فوق مستوى التوازن وبين الزيادة لتصحيح (او تعويض) النقص القسري (اي الخارج عن ارادة البنك المركزي) في سعر صرف عملة دولة ما بالنسبة لعملات العالم.
لو سألنا مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي للمملكة) السؤال التالي: هل انخفاض سعر صرف الريال القسري الذي يعاني منه الريال السعودي نتيجة للانخفاض المستمر لسعر صرف الدولار بالنسبة لعملات العالم يفيد او يضر اقتصاد المملكة؟
رغم انني انا لا أعرف – مسبقا – هل سيكون جواب المؤسسة بأنه يفيد أو انه يضر. ولكن من وقوف المؤسسة على الحياد على مدى سنوات طويلة من استمرار انخفاض سعر صرف الريال القسري (اي رغم أنف ساما) نتيجة لانخفاض سعر صرف الدولار بالنسبة للعملات الرئيسية بدون ان تتخذ ساما اي اجراءات لتصحيح هذا الانخفاض يدل على واحد من ثلاثة احتمالات كالتالي:
اولا: اما ان مؤسسة النقد تعتقد ان انخفاض سعر صرف الريال القسري بالنسبة للعملات العالمية يفيد وبالتالي هو في صالح اقتصاد المملكة ولا داعي للتعديل.
ثانيا: واما ان المؤسسة تعتقد ان الانخفاض في سعر صرف الريال القسري يفيد ويضر في نفس الوقت ولكنها لا تعرف هل نفعه اكثر من ضرره او ان ضرره اكثر من نفعه ولذا تخشى ان تؤدي سياساتها الى السير في الاتجاه الخاطىء فتقع في ورطة مع وزارة المالية.
ثالثا: واما ان مؤسسة النقد تعرف انه يضر اقتصاد المملكة ولكنها لا تريد اتخاذ قرار مستقل من غير موافقة وزارة المالية. بينما وزارة المالية بدورها تريد التأني في اتخاذ القرار لانها تخشى او تعتقد (و هذا اعتقاد خاطىء كما سأوضّح السبت القادم) بأن تصحيح سعر صرف الريال قد يؤدي الى خفض ايرادات وزيادة مصروفات الحكومة فتتحول فوائض الميزانية الى عجوزات (لاسيما اذا انخفضت اسعار البترول) فتضطر وزارة المالية الى السحب من مدخراتها المقيّمة بالعملات الأجنبية في الخارج وتحويلها الى المملكة بريالات اقل في العدد ( وليست بالضرورة أقل في القوة الشرائية كما سأوضّح السبت القادم) بنسبة تساوي نسبة تعديل سعر صرف الريال بالنسبة للدولار.
أما اذا وجهنا نفس السؤال الى الكتاب الذين اعتادوا ان يبدوا وجهة نظرهم عن تأثير انخفاض سعر صرف الريال نتيجة انخفاض سعر صرف الدولار على اقتصاد المملكة نجد ان معظم هؤلاء الكتاب (ماعدا قلّة شاذة) يتفقون على انه يضر ويطالبون مؤسسة النقد بضرورة ممارسة اهم واجب من واجباتها وهو المحافظة على استقرار القوة الشرائية للريال (سواء في الداخل أو الخارج) ويقدمون حلولا مختلفة بعضها يطالب بفك ارتباط الريال بالدولار وربطه بسلة من العملات والبعض يكتفي بالمطالبة بتعديل سعر صرف الريال مع البقاء على ربطه بالدولار والبعض ولكنهم قلة نادرة يطالبون بتعويم الريال.
أما الذين يرون بأن على مؤسسة النقد ان تكتفي بدور المتفرج – كما هي عليه الآن – من غير ان تمارس اي سياسة نقدية تهدف الى ارجاع (اي تعديل) سعر صرف الريال الى ما كان عليه قبل انخفاض سعر صرف الدولار فهم للأسف يبدون وجهة نظرهم وكأنهم لا يدركون بأن الانخفاض في سعر صرف الريال يحدث أصلا ليس بإرادة (او بتصرف من) مؤسسة النقد وفقا لاحتياجات الاقتصاد الوطني للمملكة وانما لأسباب خارجة عن ارادتها.
في الحلقات (غالبا حلقتين وربما ثلاث حلقات) القادمة سنناقش تأثير انخفاض سعر صرف الريال القسري نتيجة لانخفاض سعر صرف الدولار على كل من: اولا ايرادات ومصروفات الحكومة، وثانيا الصادرات والواردات، وثالثا التضخم والبطالة والناتج القومي.
موضوع زاوية السبت القادم – ان شاء الله – سيكون بعنوان: العلاقة بين سعر صرف الريال وايرادات الميزانية (الشحم فيمن شحمه ورم).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق